من أصعب الأشياء أن تكون طالبا في المغرب، مقولة صحيحة تثبت وتتأكد باستمرار في البيئة المغربية، فالطالب المغربي تتكالب عليه المصائب وتتعاور عليه المحن والنوائب، لا يكاد ينهض من محنة حتى يتخبط في أخرى.
في البدء تطارحه مشكلة المنحة أو بتعبير أصح (المحنة)، التي تأتي على شكل جرعات، كلما أوشك الطالب على الإستسلام بسبب عبئ المستلزمات التي أثقلت كاهله، أتته الهدية الوزارية في ثوب الرحمة والشفقة. أما من حرم الهدية الوزارية فمصيره يكون بين كفي عفريت، إلا من كابد المشاق وتجشم صعاب رحلة العلم دون الهدية الوزارية التي تعتبر حقا مشروعا لكل طالب لإتمام دراسته.
وفي الجامعة يبرز درب أخر من دروب المعاناة المتعددة التي يجوبها الطالب المغربي، فالحصص المبرمجة لا تكون كافية لاستيعاب المواد استيعابا يتمكن معه الطالب من الوصول إلى المعنى المقصود والمنشود، فضلا على أن المواد المبرمجة تمارس ظغطها على الطالب فتقيده بالبرنامج المقرر، ولا تفتح له مجالا للبحث و الإستزادة باعتباره باحثا أو بحاثة.
وأما الأساتذة مربوا الأجيال والمنارة التي يستهدي بها الطالب في مشواره العلمي، فالبعض منهم يفعل كل شيء(شأن القمع والسخرية...) إلا خدمة الطالب والوقوف في صفه، أما المفاجئة المعتادة التي سئمها جل الطلبة هي أن تلج إلى القاعة فيفاجئك الأستاذ بالإمتحان من غير سابق إعلام. فلا يملك الطالب المسكين إلا أن يشغل ذهنه عله يجود عليه بعبارات يدبجها في ورقة الإمتحان، أما عن محتويات الإمتحانات ومضمونها فذاك هو بيت القصيد. ففي بعض الأحيان تحمل الإمتحانات أسئلة إجابتها لم تدرج في المواد المدرسة، وأحيانا يوضع السؤال تحليليا ولا تكون المدة المخصصة لإنجازه كافية حتى تمكن الطالب من التفنن والإبداع فيه.
هذه إذا هي الفصول الكاملة لمعاناة الطالب المغربي في الجامعة. ومع ذلك تظل صورة الطالب المغربي محترمة، ويبقى ذا حظوة وشأو بين أقرانه وفي وسطه الإجتماعي. إذا رنته عيناك، أعجبتك طلعته البهية حاملا معه حقيبته السوداء التي لا تفارقه أبدا ومتأبطا كتابه بيمينه، تجده يتجاذب أطراف الحديث مع سكان الحي في موضوع من الموضوعات، فيبهرهم بعلمه الواسع وثقافته الوقادة.
كل ذلك يأتي إذا من شاب جعل غايته العلم، فسلك سبيله المحفوفة بالصعاب والأشواك عونه الوحيد في ذلك دعوات الأم المتكررة له بالتوفيق والفلاح. كيف لا؟ وهو الشماعة التي تعلق عليها كل أمالها، والنبراس الذي تعقد عليه طموحاتها، عله في يوم من الأيام يعوض لها ولو شيئا يسيرا من خريف عمرها الذي ضاع في تربيته ورعايته، وشبابها الذي فني في السهر على تعليمه ودراسته.