بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ{1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{2} إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ{3}
شَـرْحُ الغــرِيْب :
الْكَوْثَرَ : نَهْرٌ أعطاه الله تعالى نبيه r في الجنّة عليه خير كثير ، آنيته عدد الكواكب .
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ : أي فأخلص لربك صلاتك, ونحرك أي : ذبحك وأجعله باسم الله ولوجه الله .
شَانِئَكَ : يعني عدوك ومبغضك .
الْأَبْتَرُ : الفرد ، الذي إذا مات انقطع ذِكْرُه .
هِدَايَــــةُ السُّوْرَةِ :
الهِبَاتُ الربَّانيَةُ لنبي البشرية .
في هذه السورة الشريفة يتفضل الرب الكريم بوعده الشريف بهبة كريمة وعطية جزيلة لنبيه الأعظم ورسوله الأكرم rوهي: عبارة عن نهر عظيم, في جنة النّعيم, عليه خير كثير, آنيته: عدد الكواكب والنجوم ،وماؤه أحلى من العسل ترد عليه أمة النبي r يوم القيامة فيشربون منه شربة لا يظمأون بعدها أبداً !
جاء في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه قال:
بينما ذات يوم بين أظهرنا يريد النبي r إذ أغفى إغفاءة ,ثم رفع رأسه متبسما! فقلنا له: ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال: نزلت علي آنفا سورة بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ{1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{2} إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ{3}
ثم قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة, آنيته: أكثر من عدد الكواكب, ترده علي أمتي فيُختلج العبد منهم؛ فأقول يا رب إنه من أمتي. فيقول لي: إنك لا تدري ما أحدث بعدك " ([1]) .
بيد أنّ أقواماً يُحال بينهم وبين الكوثر وهم بأشد الحاجة لشربة تطفئ لهب أكبادهم كما جاء في الصحيح : " ... أناديهم هلم! فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنّهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم مذ فارقتهم فأقول سحقاً سحقاً ! "
فعياذاً بك اللهم من الخُذلان ومن الحَوْرِ بعد الكَوْر !
وإننا لنلحظ كثيراً من التحولات الفكرية ، والتراجعات المنهجية لكثير ممّن عرفوا الحق والحقيقة ، ودعوا الناس ردحاً من الزمان إلى إخلاص العبودية لرب الخليقة ثم ما برحوا أن انقلبوا على أعقابهم وارتدوا على أدبارهم والله المستعان !!
الإخلاص في الصلاة والنسك :
كلُّ ما يأمر به الله عباده مقابل هذه النعم الجليلة هو إخلاص العبودية لله سبحانه ، ولذا قال ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ) أي دون ما سواه (وَانْحَرْ ) أي وانحر لربك أيضاً خلافاً لما كان عليه أهل الجاهلية الجهلاء من الذبح للأنداد والأصنام عياذاً بالله .
فالذبائح لا ينبغي أن تذبح إلا لله وباسم الله وذبحها لغيره تعالى شرك وجرم كبير !!
وللأسف فقد وقع كثير من مسلمي زماننا في شرك الذبح لغير الله فذبحوا للأولياء على عتبات القبور والأضرحة, وهدموا التوحيد وشوهوا العقيدة, وأسرفوا على أنفسهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون .
وقلّ من ينكر هذا الصنيع أو يجاهدهم بلسانه وقلمه ، بل إنّ كثيراً من علماء السوء ليباركون هذا العمل ويسوغونه لهم والله المستعان !
رفعُ ذكر النبي r:
كان أعداء النبي r وحاسدوه يأملون انقطاع ذكره واندراس أثره بمجرد موته حيث لم يُخلف ذَكَرَاً يحملُ اسمه ويحيي ذِكْرَه بزعمهم وهذا من خَبَل عقولهم وسخافة أفكارهم .
وما درى هؤلاء الحمقى والمغفلون أنّ الذِكْر لا يرتفع بالنسل فقط ، وإنما بحُسن الثَنَاء وعظيم الأثر على الناس فكيف إذا كان الله تعالى هو الذي تكفل بالثناء عليه وتخليد أثره ؟ !
وكيف إذا كان أثر النبي r على البشرية بهذه المثابة حيث به هداها الله إلى أحسن دين وأقوم ملة ؟!
وصدق الله " {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } الشرح (4) .
وقد تقدم كلام المفسرين في معناها وأما شائنو النبي r وحاسدوه فهم الأبترون المنقطعون عن كل ذكر حميد ، وثناء حسن .
فإن خلّد التاريخ أسماءهم فلكي يُلعنوا ويُقبحوا ويُذموا وذلك أشد من سابقه وأنكى!
فوائد الســــورة :
1- عظم منة الله على نبيه الكريم rوما الكوثر إلا واحد منها !
2- وجوب إخلاص العبادة من صلاة ونحر وغيرهما لله وحده .
3- رفع الله تعالى ذِكْر نبيه الكريم r وقطع وبتر شانئيه ومبغضيه !