مقدمة
ليس لهذه القصة الغريبة بداية واضحة سوى حادثة انتحار جاري... فكل شيء قبل تلك الحادثة كان ضبابياً مشوشاً يكتنفه الغموض.
رغم إنني موقنٌ في قرارة نفسي – حتى هذه اللحظة – أنها لم تكن فعلاً البداية الحقيقية لكل ما حدث بعدها..
فالقصة ليست قصتي وحدي، و لا أعتبر نفسي بطلها بأي حال من الأحوال، بل أنا مجرد شاهد عيان رأى أكثر مما ينبغي له.. و على وشك أن يدفع الثمن.
ربما تكون البداية الحقيقية في صبيحة اليوم الذي انتقل فيه جاري (رضا) للسكن في الغرفة 25 لأول مرة..
أو ربما بعدها بستة أيام عندما شَهدتُ ذلك الشجار الفظيع الذي دبّ فجأة في مقهى العم (حمادة)..
على أية حال هل يهم حقاً أن أكتشف كيف بدأ كل شيء؟؟
هل أستطيع حقاً أن أعود بشريط ذاكرتي إلى الوراء و أضع اصبعي قائلاً: "من هنا ابتدأ كل شيء.. في اليوم الفلاني و المكان الفلاني و بالحادثة الفلانية"؟؟
ربما لن أعرف أبداً كيف اندلعت الشرارة الأولى لسلسة الأحداث الماضية، كل ما أعرفه أن نارها أحرقتني بالكامل! و لم يبقَ أمامي سوى خيار واحد.. قد يسميه أحدهم "خيار الجبناء"، لكن كيف لمن عاش ما عشت و رأى ما رأيت أن يكون أي شيء إلا جباناً؟!
نعم.. لم يعد مهماً أن أعرف بداية قصتي.. لأنني أعرف الآن نهايتها.. و ها هو المسدس أمامي ينتظر حتى يغرس رصاصة واحدة رحيمة في جمجمتي تقطع سلسة الأفكار المجنونة التي استحوذت على آخر ذرة من كياني. لكنني لن أفجر دماغي قبل أن أنتهي من الكتابة..
لا أدري سبب اصراري الغريب على تدوين كل ما حدث معي رغم أنه لم يعد بداخلي أدنى تعلّق أو رغبة بالحياة.. و ليس هنالك مخلوق واحد سيحزن أو يتألم لوفاتي.
ربما لأنني لا أريد أن يمر موتي مرور الكِرام كما حدث مع جاري المسكين (رضا)..