ليلى، ابنة جارتنا في الطابق السفلي، تتابع دراستها في السنة الثانية بالمدرسة المجاورة، لكن اطلاعها الواسع على خبايا المؤسسة وكواليسها وشجارات المدير مع زوجته الأستاذة التي تشك في علاقته بزميلاتها، ومقالب الحارس و"قوالبه"، وعلاقة الأساتذة بالتلاميذ وعلاقتهم في ما بينهم، يعطيك الانطباع أنك أمام "طيابة" في الحمام (الوصف لأمها) وليس فقط أمام طفلة تتهجى أبجديات الحياة .
قبل أيام، باغتتني ليلى دون استئذان، وهي تجرني جرا إلى جريرة مشاركتها حصة من النميمة في أستاذتها، كعادتها، لكن هذه المرة وافقتُ دون تردد لأن "المصاب جلل" ويستحق فعلا أن نحكيه في هذه السطور، كما جاء طبعا، على لسان لـــــيلى :
الوقت زوال أحد أيام أكتوبر الماضي، يدخل التلميذ مهرولا إلى القسم، يتصبب عرقا، وهو يجر كيسين بلاستيكيين ثقيلين بهما أربع دجاجات، مذبوحة و"مريشة" كما يجب.
عرفتُ من ليلى، طبعا، أن أب التلميذ يملك محلا لبيع الدجاج بالجملة والتقسيط بالسوق العشوائي المجاور، كما عرفت أن الأستاذة تضع لائحة بأسماء ومهن وحرف آباء التلاميذ وأمهاتهم في مكان حصين في درجها، تستعين بها وقت الـــشدة .
كان يمكن للتلميذ أن يذهب رأسا إلى بيت الأستاذة ويضع الأمانة "لا عين شافت ولا قلب وجع"، كما يقول المأثور الشعبي، لكنها فضلت أن تكون الفضيحة فضيحتين :
- واحدة بابتزاز أب تلميذ لتقديم "رشوة" في شكل أربع دجاجات مذبوحة و"مريشة"، وإخراج التلميذ من حصة الدرس ومن المدرسة لجلب البضاعة، والثانية بتحويل القسم إلى مطبخ لتهييء الدجاجات، وترقيدها في الملح والحامض قبل حملهما، نهاية اليوم، إلى البيت. كيف؟
تحكي صديقتي ليلى أن الأستاذة، فور توصلها بالبضاعة "ديلفري" داخل القسم، بعثت في طلب سطل وإناء بلاستيكي (بانيو) من بيت الحارس الذي لم يتردد في توفيرهما للأستاذة دون تردد. تلميذتان متطوعتان قامتا بلملء الإناءين من المرحاض القريب، ووضعتاهما قرب مكتب الأستاذة التي استعانت بالله ووضعت بهما الدجاجات، وبدأت في إعدادهما أمام مرأى التلاميذ وبمساعدة التلميذتين، بينما وقف تلميذ آخر أمام باب القسم لمراقبة مرور المدير.
مرت ساعة إلا ربعا على هذا الحال، تحكي ليلى بعفوية، قبل أن يصرخ التلميذ الواقف قرب الباب باقتراب المدير، فما كان من الأستاذة إلا أن دفعت الإنائين تحت مكتبها، ومسحت يديها في طرف الوزرة البيضاء، وانتصبت واقفة أمام السبورة لتمثيل "مسرحية" تلقين درس جديد .
جريدة الصباح أكتوبر 2012