نفحات طيبة من تراثنا الامازيغي العريق
كان الفقهاء " الطّْلْبَا " قديما يجوبون الدواوير و القبائل جماعةً في فترات مختلفة من السنة . و في إحدى تلك الجولات ، دخلوا دواراً قرابة وقت صلاة العصر ، هذا الدوار يشبه دوار إغــرم و المكان الذي نزلوا فيه يشبه ساحــة " أكَــــرور" العريقة ،و بالضبط قرب " " إمي وكَادير " ، ولم يجدوا في الدوار أحداً يهتم بقدومهم نظرا لانشغال الناس بأغراضهم و صلواتهم في هذا الوقت من اليوم ، ولإثارة الإنتباه أنشد أحد الفقهاء و بصوت مرتفع هذه " تنظامت " :
إِرْبَّا يَايـْتْ تمازيرت إِميك نْوَلِيــــــــمْ .
أُولاَ تومزين أَهَاد أَغيُول أُوريشِّي ياتْ .
سمع الناس الصوت و فهموا " الميسّاج " ، فأغدقوا عليهم من الخيرات حتى فاضتْ ، خصوصا و أن هذا الدوار معروف بكرم أهله و حبهم للضيوف ، حيث حملتْ لهم النساء ما لذ و طاب من الأطعمة الطبيعية النقية و الخالية من المواد الكيميائية و السامة التي خرَّبتْ صحتنا اليوم ، الأطعمة عبارة عن " أكْفاي و تاموديت نتفوناست " و " أودِي و تامنت نتزوا و أملو " و طجين بالدجاج البلدي تشم رائحته الطيبة على بُعد كيلومتر ، و بعض البيض البلدي و مــــــــــــــــاء " العِـــــــــين نيغرم " ، بالإضافة إلى " أَغروم نتونيرت " و فاكهة " أكناري ". أما الفتيات فقد رحَّبْــنَ بالضيوف بباقات من الحباق و " إجديكن " و بعض " تزريوين اللوز " .
غيرأنه يوجد دائما " واش غيفُولُّوســن مَايْسْنْ إِتّْــفِّــينْ أَمَـــــانْ " ، فأحد مناحيس الدوار لم يعجبه ما قام به النّاس من واجب تجاه الضيوف ، و كاد الحسد يقتله ، فاتجه إلى الفقهاء بمكر ثعلبي ، و طلب منهم أن يستعدُّوا لأحواش بعد تناول وجبة العشاء ، و كانت نيَّته المبيتة هي أن يبارزهم في " النظم " و يُشوههم أمام الناس ، لكونه أحد كبار " إنظامن " في الدوار ، غير أنه أناني و لا يحب للآخرين ما يُحبه لنفسه .
طلب منه الفقهاء إعفائهم من أحواش لكونه لا يتماشى مع طبيعة مهمتهم التي تتجلى في الدعوة و الوعظ الديني فقط ، لكنه أصر عليهم فقبلوا مرغمين .
انتشر الخبر بسرعة بين سكان الدوار الذين استبشروا بسهرة مقبلة في " أسايس نتيغولا إغرم " ، ستكون دون شك ممتعة و مثيرة و مليئة بالمفاجآت ، و بدأت الإستعدادات للسهرة على أشُدِّها : النساء ذهبن لأسايس لمراقبة نظافته و خلوه مما قد يفسد السهرة من أزبال أو مخلفات . تفرخيــــن كَوَّنْنَ فريقا لجمع تِسطَّاتين وإكشودن ، و آخر لإعداد " المراجل الحباق و إجديكن " ، أما إعيّالن فتكلفوا بإعداد " كَانكَا و إلُّونا " و بعض المستلزمات المادية الضرورية كأدوات الإنارة " لاباكوم " و أواني الشاي و الأفرشة و غيرها .
بدأت السهرة تقريبا على الساعة 11 ليلا . دخان تسطاتين يملأ الفضاء . و يسود الجو خليط رائع من الروائح الزكية الطيبة من الحباق و إجديكَن و رِّيفْضُورْ وأمشاض و القرنفل و الحناء والنعناع . أخذ كل فريق مكانه في الساحة ، و الكل يترقب بداية النزال . و بطبيعة الحال فأنظارنا نحن الشباب تتركز على اتجاه واحد أكثر من غيره : تيعيالين ، كعادتهن في أبهى الصور، بإحوياك و تزرورين و الحناء و نقرت و إدوكان لحرير و أَخاسي و تملولت و تسمرت ، و الأهم أنهن دون مكياج ، عيونهن تتدفق حياء و رقة و أُنوثة ، جمالهن الطبيعي يُذهب العقول .
الكل يترقب من سيبدأ المعركة ، و هاهن الغزلان تعيالين يفاجئن الجميع و يأخذن المبادرة مرحبات بالضيوف بهذه تنظامت :
إِدَا مْرْحْبَا مايِّــيــدْ أيغــراسن تِــيوِيــمْ .
إِكَيت أَقْبِيل نْغْ إِيكَ أُولماكنْ نفرح إِسْ .
تَلَقَّفَ كبير الفقهاء الرسالة المرحِّبة و أدار نظره في اتجاه الغزلان و أبدع في النظم بقدرة الله رغم أنه لم يسبق له أن شارك في أحواش من قبل ، فرَدَّ قائلاً :
أَشوفْ إِتْران نْكَادَّان شوف أَيُّورْ إِلُولْ .
أشوف إِتبيرن غِكِّي نْفُوحِينَا سُّوتْلْــــنْ.
أَكِيوَانْ دْلبرَّادْ نس أَرسَّانْ أتـــــــــاي .
( كلمة " فُوحِينَا " تعني " أَزُورْ" أي السطح ).
أغرقتْ الفتيات و النساء أسايس بمزيج رائع من تزرارين و تاغوريت ، أصواتهن و ألحانهن الشجية تُذيب القلوب و لو كانت صلبة مثل " إِزْرَانْ نْوَاسِيفْ " . و كتشجيع للفقيه المبدع قامت تعيالين بتوشيح صدره بوسام الشرف عبارة عن أكبر " أحلاب ننقرت " لديهن ، لم يتمالك الفقيه نفسه فَــــبَــــكَــــى من الفرح أمام هذا المشهد الغني بالمشاعر الجياشة الصادقة و غير المصطنعة .
أما صاحبنا أنظَّام نودوار الحسود ، فزاده هذا المشهد غِلاًّ و حسدا للفقيه و رفاقه ، و لم يستطع الإنتظار أكثر، فاتَّجهَ إلى وسط أسايس و أخذ الكلمة متوجها إلى الفقيه بِتنظامت التالية :
أناناين أنــنـــادايـــن أي نَّـــــانْ نَّـــــــانْ .(و كررها مرتين)
أجابه الفقيه :
ألا لا يــــلالاد أيــــــــل أيْـــــلاَّ يْـــــلاَّ .(و كررها مرتين)
و معنى هذَين البَـيْتَـيـن أن الحسود قال للفقيه :" نَّانِي تْكَـيـتْ العفريت " فأجابه الفقيه " غُـوزَانَّاكْ " .
تابع الحسود قائلاً :
رب أكِّيد يِوِينْ أَكَيكْ ونسن إفرخـــــــان .
أُومان أتكَيت فكي ضّامن أسرك نساوال .
أداخ أور تْرْوْلم إغاون إتمّــــــــــا ووال .
أجابه الفقيه :
مْرَّاكْشْ ، أُورِيكَي دَارْ يان نْتَّا غْلِّيخْ .
وَا دَارْ الهْنَا غِينْ أَغَا كْ مُونْ لْمْسَاكِينْ .
ردَّ الحسود :
أُورْدْ لْكْسُوت لمدينت أفــــــــــلاَّك إلاَّن
حقَّان إزد لحبس أَغْن إِتْيَارا إســــم نُّون
أَوَانَّا وْرْ إِمَّالنْ دارسن أمخار أيـــــــــان
أُومان أتكَيت فكي ضامن أسرك نسوال
لَم يتمالك الفقيه نفسه أمام إهانة و استفزاز الحسود ، فرد عليه بانفعال :
أُوسوس أَدْ كَيخْ سْركَمخت إِغِيِي تْنْرِيتْ
أَرَوا إلكَماضن هاروا ماغــــــــــا تيلين